هل تعلم أن الجيوش مسؤولة عن 5.5% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم؟ الحروب والصراعات ليس لها تأثير مدمر على حياة الناس فحسب، بل تؤثر أيضًا سلبًا على البيئة وتساهم بشكل كبير في تغير المناخ. في عامه الأول، ولَّد الغزو الروسي لأوكرانيا انبعاثات غازات دفيئة أكبر من تلك التي أحدثتها جمهورية التشيك. في غزة، يشار إلى تدمير النظم البيئية على أنه إبادة بيئية وجريمة حرب. وفي المستقبل، سوف تشكل إعادة إعمار مناطق ما بعد الحرب مشكلة أيضاً.
الحروب وتأثيرها على البيئة
خلال الحروب والنزاعات المسلحة، لا تؤخذ حماية البيئة في الاعتبار عادة. وفي الصراعات التي يموت فيها مدنيون أبرياء كل يوم، ينصب التركيز بشكل مفهوم على إنقاذ الأرواح وتقديم المساعدات الإنسانية. ومع ذلك، لا ينبغي لنا أن ننسى التأثير الكارثي للصراعات العسكرية على النظم البيئية.
كيف يسا هم القطاع العسكري في تغير المناخ؟ تستهلك الجيوش كميات هائلة من الوقود الأحفوري، الذي له انبعاثات عالية من الكربون. تعد الانبعاثات الكربونية العسكرية العالمية رابع أعلى مرتبة، بعد الولايات المتحدة والصين والهند. وإذا اعتبرنا الجيش الأمريكي وحده دولة منفصلة، فإنه سيكون من بين أكبر الملوثين لكوكبنا.
بعض الانبعاثات العسكرية لا تقتصر بالضرورة على زمن الحرب، ولكنها تزيد بشكل كبير أثناء القتال. ومن بين أكبر المصادر وقود الطائرات والديزل للدبابات والسفن البحرية. المصادر الأخرى هي إنتاج الأسلحة والذخيرة، أو نشر القوات. وبالطبع الدمار الذي أحدثه القصف من حرائق ودخان. هناك أيضًا زيادة كبيرة في مواد الهدم والركام الناتج عن تهدم المباني أثناء النزاعات. تمثل المباني المدمرة كمية هائلة من مخلفات البناء التي يصعب إعادة تدويرها. غالبًا ما تتراجع إدارة النفايات في البلدان المتأثرة بالحروب حتى قبل اندلاع الصراعات.
كما تدمر الحروب الحياة البرية والتنوع البيولوجي. يمكن للأضرار الجانبية للصراع أن تقتل ما يصل إلى 90 بالمائة من الحيوانات الكبيرة في منطقة ما. في العديد من الأماكن، أصبحت الأنواع المحلية المهددة بخطر الانقراض عرضة لان تنقراض. بالإضافة إلى ذلك، تتسبب الحروب في تلوث المياه والتربة والهواء، مما يجعل الحياة غير آمنة للناس. عندما تندلع الحروب والصراعات، يهرب الناس إلى بر الأمان إما داخل بلدانهم أو عبر الحدود. تشكل موجات الهجرة هذه أيضًا عبئًا كبيرًا على البيئة.
جيوش العالم مسؤولة عن 5.5% من انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم. ومع ذلك فإن العديد من الحكومات لا تقدم بيانات عن الانبعاثات الناجمة عن الأنشطة العسكرية، وبالتالي فإن الرقم قد يكون أعلى بكثير. وبالفعل، تنتج الصراعات العسكرية انبعاثات غازات دفيئة سنوية أكبر من تلك التي تنتجها صناعات الطيران والشحن مجتمعة. لكن توثيق الانبعاثات العسكرية تم التغاضي عنه منذ فترة طويلة. فقط مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، جرت المحاولة الأولى لتوثيق وتقييم انبعاثات الغازات الدفيئة خلال الصراعات في زمن الحرب بشكل شامل.
أنتجت الحرب في أوكرانيا انبعاثات أكثر من جمهورية التشيك بأكملها
ووفقا لآخر التقديرات، فإن انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة خلال العام الأول منذ الغزو الروسي لأوكرانيا تصل إلى ما يعادل 120 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وهذا أكثر مما أنتجته جمهورية التشيك بأكملها في نفس الفترة وأربعة أضعاف ما أنتجته سلوفاكيا. وفي المجمل، أدرج الخبراء جميع الانبعاثات التي نشأت أثناء الحرب أو ستنشأ عن إصلاحات ما دمرته الحرب خلال السنة الأولى.
وبالرغم من ذلك فهي ليست المسبب الوحيد لاتبعاثات الكربون. ويقول الباحثون إنهم تمكنوا من إجراء تقدير جيد للانبعاثات الناجمة عن حرائق الغابات أو الانبعاثات المستقبلية المرتبطة بإصلاح البنية التحتية المدمرة. وتنشأ المشكلة مع الانبعاثات الناجمة عن المركبات العسكرية، حيث تميل الأرقام إلى التقليل من تقديرها بسبب نقص المعلومات. وتأتي الحصة الأكبر (42%) من الانبعاثات المرتبطة بالحرب من عمليات الهدم والإصلاح المستقبلي للمباني والبنية التحتية. ويلي ذلك الانبعاثات المرتبطة بالحرب نفسها، والتي لا تشمل الوقود الأحفوري فحسب، بل أيضًا بناء التحصينات وإنتاج الذخائر والحرائق الناجمة عن القتال.
الإبادة البيئية في غزة؟
ليس للحرب في أوكرانيا فحسب، بل للحرب المستمرة في غزة أيضًا تأثير مدمر على البيئة. أنتجت الأشهر الأولى من الصراع كميات من الغازات المسببة للاحتباس الحراري أكثر مما تنتجه 20 دولة ملوثة للمناخ خلال عام واحد. ووفقاً للأبحاث، فإن الغالبية العظمى (أكثر من 99%) من انبعاثات الغازات الدفيئة يمكن أن تعزى إلى القصف الجوي الإسرائيلي والغزو البري لغزة. وفي منطقة حيث الظروف المعيشية كارثية بالفعل بالنسبة للسكان المحليين، فإن الهجمات على النظم البيئية تجعل الوضع أسوأ عدة مرات.
ولم يتم بعد توثيق المدى الكامل للضرر البيئي في غزة، لكن تحليل صور الأقمار الصناعية يظهر أن ما يصل إلى نصف الأشجار والأراضي الزراعية قد تم تدميرها. سيكون للحرب المستمرة تأثير كبير على النظم البيئية والتنوع البيولوجي في غزة. هناك دعوات متزايدة لإعلان الأضرار التي لحقت بغزة باعتبارها إبادة بيئية والتحقيق فيها باعتبارها جريمة حرب محتملة.
ويعاني قطاع غزة بالفعل من عواقب مناخية مثل ارتفاع مستوى سطح البحر والجفاف والحرارة الشديدة. لقد تم تدمير أو تلويث جزء كبير من الأراضي الزراعية والبنية التحتية للطاقة والمياه، الأمر الذي سيكون له عواقب صحية مدمرة لعقود قادمة. كما تم تدمير أكثر من نصف المباني في غزة – ومع ذلك فإن بناء المنازل يعد مساهمًا رئيسيًا في ظاهرة الاحتباس الحراري.
إعادة الإعمار وفترة ما بعد الحرب
وبمجرد انتهاء النزاعات الحربية، ستحتاج المناطق إلى إعادة البناء. إن بناء وإعادة تأهيل البنية التحتية يجلب معه انبعاثات كبيرة. ويشمل ذلك صتاعة الأسمنت، التي يتطلب انتاجها انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، بالاضافة الى ان إطلاق الذخائر غير المستخدمة بشكل خاضع للرقابة، وهو ما يؤدي إلى المزيد من التلوث. وفي أوكرانيا وحدها، فإن إعادة بناء البنية الأساسية التي مزقتها الحرب تعني إطلاق ما بين 200 إلى 400 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون.
ولن يقتصر الأمر على ترميم المباني فحسب، بل سيستغرق ترميم البيئة بشكل خاص سنوات عديدة، اعتمادًا على نوع القتال المحدد ومدته. وبمجرد توقف النشاط القتالي، هناك خطر انتشار التصحر على نطاق واسع وفقدان الأراضي بسبب نقص المياه.
التأثير البيئي للحروب هائل. للانبعاثات الناجمة عن الحروب تأثير سلبي كبير على تغير المناخ وتهدد أمننا المناخي. ولذلك من المهم أن نأخذها على محمل الجد كالعواقب الأخرى للنزاعات الحربية، مثل الأزمات الإنسانية أو الأضرار الاقتصادية.
تساعد منظمة كاريتاس جمهورية التشيك في حماية البيئةومساعدة الأشخاص في المناطق المحرومة على التكيف مع تغير المناخ. كما أننا نساعد في المناطق المتضررة من الصراعات والحروب، وذلك بفضل الدعم السخي الذي تقدمه الجهات المانحة لنا.